في مثل هذا اليوم السادس عشر من آذار/مارس 1984 تعرض مقر الإذاعة السودانية في أمْ دُرمان لهجوم جدوي نفذته قاذفة سوفييتية الصنع من طراز توبوليف 22 وأسفر القصف عن مصرع خمسة أشخاص وإصابة عدد آخر ممن كانوا في الإذاعة بجروح.
قالت الإذاعة السودانية خلال تعرضها للقصف أن الطائرة قادمة من قاعدة الكُفرة الجوية في ليبيا، في إشارة إلى وقوف النظام الليبي بقيادة العقيد معمر القذافي وراء القصف لكن الحكومة الليبية نفت رسميا وبشكل قاطع ما اعلنته السودان بأنها وراء الغارة الجوية على أم درمان.
إلا أن المراقبين اتفقوا على أن القصف هو رد ليبي على احتضان السودان لجهات ليبية معارضة للقذافي وعلى رأسها “الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا” وأن استهداف الإذاعة سببه اعتقاد السلطات الليبية أن المعارضين الليبيين كانوا يبثون منها للداخل الليبي.
واتخذ الحادث منحى خطيرا بعد أن سقط صاروخ قذفته الطائرة المهاجمة على منزل رئيس الوزراء السوداني السابق السيد الصادق المهدي ولكنه لم تنفجر، ووصف السودان القصف بأنه اعتداء صارخ على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وأن من شأنه زيادة حدة التوتر بين دول الجوار.
قام الرئيس السوداني جعفر محمد النميري بزيارة موقع الحادث وقدم تعازيه لذوي الضحايا وتعهد باتخاذ الإجراءات المناسبة إزاء هذا الاعتداء، بينما اجتمع الرئيس المصري محمد حسني مبارك مع كبار مساعديه لتقييم الموقف بعد أن تشاور مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان حول إمكانية إرسال معدات عسكرية إلى السودان لمواجهة التهديدات الخارجية.
وكان من تداعيات هذا الحادث إصدار قرار مصري-سوداني بإعادة تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت بين البلدين عام 1976 ونصت على قيام القوات المسلحة لدى البلدين بالتدخل العسكري في حال تعرض إحدى الدولتين لاعتداء خارجي وعلى الفور بدأ الجيشان المصري والسوداني تمارين مشتركة في الصحراء غربي قنال السويس.
إلا أن تلك الإجراءات لم تخفف من حدة التوتر مع استمرار التقارير عن احتمال تعرض السودان لغزو خارجي خاصة بعد الإعلان عن كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة قيل إنها وجدت مدفونة في مواقع على الحدود بين السودان وليبيا، بينما اعلنت الولايات المتحدة إرسال طائرتي إنذار مبكر “أواكس” بناء على طلب مصري سوداني.
وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه التمارين المشتركة أخذ الجيش الليبي بحشد قواته على الحدود مع السودان و جمهورية تشاد وانطلقت الدعوات من القادة العرب إلى نظرائهم في مصر والسودان وليبيا بضبط النفس وحل الأزمة سلمياً لتفويت الفرصة على القوى الأجنبية التي تتربص بالمنطقة ونجحت مساعي اللحظات الأخيرة في نزع فتيل الأزمة وعادت الجيوش إلى ثكناتها.